لا تحزنْ للتوافِهِ فإنّ الدنيا بأسْرها تافهةٌ
لا تحزنْ للتوافِهِ فإنّ الدنيا بأسْرها تافهةٌ
الإنسانُ بقيمتهِ لا بجسدهِ، وبطموحاتهِ لا بمظهرهِ، فالعظماء لا تلهيهم التوافه، ولا تشغلهم صغائرُ الأمور عن معاليها.
وإنَّ الحياة قصيرةٌ، وما يُخلِّد الإنسانَ فيها هو أثرهُ وهمتهُ العاليةُ التي تميزهُ عن غيره فما أعظمَ أن يحملَ الإنسانُ همَّةً تُحلقُ به في سماواتِ المجد، لا أن يغرق في تفاهاتِ الدنيا ومُلهياتِها.
فكيف يكونُ للإنسانِ همَّةٌ تُضيءُ دربَه وتمنحُ لحياتهِ معنى؟[1]
الهمَّةُ العاليةُ تصنعُ العظماء
تُعرَفُ قيمةُ الإنسانِ بهمَّتهِ، وما يطمحُ إلى تحقيقهِ فحينما أُلقي أحدُ الصالحين في براثن الأسدِ، لم ينشغل بخوفهِ.
بل انصبَّ تفكيرهُ على مسألةٍ شرعيةٍ: “هل لعابُ الأسدِ طاهرٌ أم لا؟!”، وهكذا تُميِّزُ المواقفُ بين أصحابِ الهممِ العاليةِ وبين أولئك الذين تستغرقهم المخاوفُ التافهة.
وكذلك الإمامُ أحمدُ بنُ حنبل، رغم شدَّةِ سكراتِ الموت، كان يشيرُ إلى تخليلِ لحيتِهِ بالماءِ أثناء وضوئهِ، فما أعظمَ همَّتهُ في الالتزامِ بالسُّنةِ حتى في لحظاتهِ الأخيرة! فمثلُ هؤلاء لم تُشغلهم الدنيا عن الآخرة، ولم يُضعفهم الألمُ عن الثباتِ على المبادئ.
وكما قال ابنُ القيم: “قيمةُ الإنسانِ همَّتهُ، وماذا يريد؟!“، فإنَّ الهمَّة العاليةَ هي التي تصنعُ التاريخ، وتُخلدُ الأثر، وتجعلُ للحياةِ معنى أسمى وأعمق.[2]
كيفَ نبني همَّةً عاليةً؟
إنَّ بناءَ الهمَّةِ العاليةِ يتطلبُ قناعةً بأنَّ الحياةَ قصيرةٌ، وأنَّ الإنسانَ يُوزنُ بقيمهِ لا بمتعه وكما قال أحدُ الحكماء: “أخبرْني عن اهتمامِ الرجلِ أُخبرْكَ أيُّ رجلٍ هو“. فماذا يُشغلُ فكرَك اليوم؟ أهوَ البحثُ عن الحقيقةِ، أم الغرقُ في صغائرِ الأمورِ؟
لكي تُنمِّي همَّتكَ، عليكَ أن تُحيطَ نفسك بأصحابِ الطموحِ، وأن تقرأ سير العظماءِ الذين تجاوزوا المحنَ وصنعوا التاريخَ بهمَّتهم. كما أنَّ العملَ على تطويرِ الذاتِ، وتحديدِ الأهدافِ العظيمةِ، وعدمِ الالتفاتِ إلى العوائقِ والتوافهِ، يجعلُ الإنسانَ قادرًا على تحقيقِ ما يُخلِّدُ ذكره.
وقد وعدَ اللهُ أهلَ الهممِ العاليةِ بالعطاءِ في الدنيا والآخرةِ، فقال: ﴿ فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ ﴾ (آل عمران: 148)، فمن أراد المجدَ، فعليهِ أن يسعى إليهِ بجدٍّ وهمَّةٍ عاليةٍ.
لا تحزنْ للتوافِهِ فإنّ الدنيا بأسْرها تافهة لأن أصحابَ الهممِ العاليةِ همُ الذين يُغيِّرونَ مجرى التاريخِ، ويرفعونَ راياتِ الحقِّ، ولا ينشغلونَ بسفاسفِ الأمورِ.
فمن أرادَ أن يتركَ أثرًا، فعليهِ أن يُحدِّدَ أهدافَهُ، ويرفعَ من همَّتهِ، ويبتعدَ عن الانشغالِ بالتوافهِ. فالدنيا إلى زوالٍ، وما يبقى للإنسانِ هو عملهُ، وهمتهُ، وأثرهُ في الحياةِ.
[1] كتاب لا تحزن للشيخ عائض القرني
[2] كتاب سلسلة علو الهمة – المقدم محمد إسماعيل المقدم،ج1،ص:3



