الموقع في طور التطوير والتحديث

رسائل متنوعة

عظمة الإحسان: حين تعبد الله كأنك تراه

عظمة الإحسان: حين تعبد الله كأنك تراه

 

إنَّ مرتبة الإحسان هي ذروة سنام الدين، وهي المقام الأرفع الذي يسعى إليه كل مؤمن يريد أن يتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بأرقى صور العبادة والخشية. فهي مرتبة تجمع بين العلم والعمل، بين القلب والجوارح، حيث يتجاوز العبد فيها حدود الفرائض والواجبات إلى محبة الله وخشيته في السر والعلن، فيراقب الله كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإنه يعلم أن الله يراه. فقد جاء في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين سأل جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان، فقال: “الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك” (رواه مسلم) , هذه العبارة النبوية العظيمة تختصر فلسفة الإحسان، حيث يعيش المؤمن حياته كلها في حضرة الله، متيقنًا من مراقبته، فيؤدي عباداته بأرقى درجات الإخلاص.

الإحسان في القرآن الكريم

لقد ذكر الله سبحانه وتعالى الإحسان في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، ليبين لنا عظمته وفضله. قال تعالى:  ” إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ “(سورة النحل: 128) , ففي هذه الآية يربط الله عز وجل بين التقوى والإحسان، وكأن الإحسان هو الدرجة التي يبلغها المتقون، إذ يتجاوزون بها مجرد الطاعة إلى السمو في العبادة.

ويقول الله تعالى في مقام الإحسان العظيم: ” وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ” (سورة البقرة: 195) , هنا يظهر الحب الإلهي للمحسنين، فالإحسان لا يقتصر على عبادة الله فحسب، بل يمتد إلى إحسان التعامل مع الناس، ورقي الأخلاق، فالمحسنون هم الذين ينعكس إحسانهم على كل جانب من جوانب حياتهم.

الإحسان في السنة النبوية

في ضوء الحديث الشريف الذي ذكرناه عن حديث عمر رضي الله عنه حين سأل جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان، فقال: “الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك” (رواه مسلم) ، يظهر لنا أن الإحسان لا يتجلى فقط في العبادة بل يتغلغل في كل مناحي الحياة. في عبادة الله، يكون الإحسان بأن يعبد المؤمن ربه كأنه يراه، فتكون العبادة في غاية الخشوع والإخلاص. وفي التعامل مع الناس، يظهر الإحسان في حسن الخلق والصدق في المعاملة.

أقوال السلف في الإحسان

لقد كان السلف الصالح نموذجًا حيًا للإحسان في حياتهم اليومية، ليس فقط في عبادتهم، بل في تعاملاتهم مع الناس. يقولبعض السلف : “الإحسان هو أن تكون نيَّتك خالصة لله، لا ترى أحدًا سواه في عبادتك. وهذا القول العظيم يلخص روح الإحسان، فالمؤمن المحسن لا يسعى بعمله لمدح الناس أو رضاهم، بل يتوجه بكل عمله وقلبه لله وحده.

وقال رجُلٌ ليُونُسَ بنِ عُبَيدٍ: أوصِني، فقال:  “أوصيك بتقوى اللهِ والإحسانِ؛ فإنَّ اللهَ مع الذين اتَّقَوا والذين هم مُحسِنون”

ويقول ابن القيم رحمه الله: الإحسان إذا باشر القلب منعه من المعاصي، فإن من عبد الله كأنه يراه، لم يكن كذلك إلا لاستيلاء ذكره ومحبته وخوفه ورجائه على قلبه بحيث يصير كأنه يشاهده

قال ابن القيم رحمه الله مفتاح الأنس الوجداني : ” ‏والأنس بالله حالة وجدانية ‏وهي من مقامات الإحسان تقوى بثلاثة أشياء : دوام الذكـر ،وصـدق المحبة ، وإحسان العمـل “. مدارج السالكين‬⁩ ٩٥/٣.

الإحسان سبيل المخلصين

الإحسان هو الطريق الذي يسلكه المخلصون لله، الذين امتلأت قلوبهم بحب الله ورجاء ثوابه، فهو طريق الفلاح في الدنيا والآخرة. يقول الشاعر في وصف أهل الإحسان:

هم المحسنون إلى الناس كلهم
وفي الله قربهم فذاك أمانهم
يرجون وجه الله في كل لحظة
وفي السر يعبدونه إيمانهم

هذا البيت يعبر عن حال المحسنين، الذين لا يرون في أعمالهم شيئًا سوى التقرب إلى الله، ولا يبحثون عن مدح أو ثناء، بل يعيشون في رضا الله وحده، وقد امتلأت قلوبهم بالأمان والسكينة.

الإحسان في عبادة الله

إن العبادة لا تكتمل إلا بالإحسان، فالمحسن في عبادته يقف بين يدي الله بخشوع قلب، ويؤدي الصلاة كأنه يراها لأول مرة، يتأمل كل كلمة فيها، ويجعل من كل سجدة مقامًا للتذلل والخشية. وفي الصيام، يعيش المؤمن المحسن حالة من الصبر والإخلاص، لا يبحث عن مكافأة دنيوية، بل يطلب الأجر من الله وحده. وفي الزكاة، يبذل المحسن ماله بسخاء، لا ليقال عنه كريم، بل ليرضي ربه ويقربه من جنات النعيم.

الخاتمة

إن الإحسان هو قمة الإيمان، وسر العبادة الخفية التي لا يراها أحد سوى الله. الإحسان هو أن يعيش المسلم حياته كلها في مع الله، يتلمس رضاه في كل قول وفعل، ويجعل من كل لحظة فرصة للتقرب إليه. فهنيئًا لمن بلغ مرتبة الإحسان، ونسأل الله أن يجعلنا من المحسنين الذين يتعبدونه كأنهم يرونه، ويرزقنا لذة القرب منه في الدنيا والآخرة.

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى